حياة القديس مار قرداغ الشهيد

st athanasios


مار قرداغ الشهيد

كان قرداغ يتحدر من سلالة الملوك الآشوريين. فوالده من سلالة نمرود الجبار، ووالدته من صلب سنحاريب الشهير.
ولد من أبوين وثنيين. وكان والده كوشناوي رجلاً وجيهاً في المملكة وشهيراً بين المجوس.
وكان قرداغ جميل المنظر، رشيق القد، قويِّ الجسم، ماهر في القتال وشديد التمسك بالديانة الوثنية.وذاع خبر بسالته في المملكة كلها وهو ما يزال في الخامسة والعشرين من عمره. ولما بلغ هذا الخبر مسامع شابور الملك،استدعاه إليه وأكرمه، بعد أن شاهد ما يتحلى به من الجمال والقوة. وأمره يوماً بأن يلعب في الميدان أمام جميع عظماء المملكة وأن يرمي السهام على هدف صغير وضع فوق سارية عالية. وأتوه بقوس وبستة سهام من مشجب الملك. فرشق السهام وأصاب الهدف في الموضع نفسه.فكال له الملك وعظمائه المديح والثناء على مهارته الخارقة. وفي اليوم الآخر، أمره الملك بأن يأتي إلى الميدان ويلعب بالكرة معه ومع عظمائه. فامتثل الأمر،ونال استحسان الجميع وإعجابهم. وفي اليوم الثالث، خرج الملك إلى الصيد بصحبة مائة من عظمائه وثلاثمائة فارس.فأمر الملك قرداغ بالخروج معه راكباً حصاناً من خيول الملك، وبالسير أمام الملك على رأس حَمَلة سلاحه.وإذ أوشكوا على الدخول إلى غابة أبصروا أمامهم أيلة تعدو مع ولدها. فصرخ الملك وقال: "ارفع قوسك وصوبه إلى الأيلة واقتلها مع ابنها دفعة واحدة.إذ ذاك هتف الملكبأعلى صوته وقال: "عشت يا قرداغ، عش وافرح بشبابك وأبهجنا بمآثرك."وما أن عاد الملك من الصيد حتى أمر بمنح قرداغ هبات وافرة، ثم أقامه وزيراً على آثور ومرزبانا يمتد حكمه نهر تور ماراً حتى مدينة نصيبين،وأرسله بأبهة وحمّله هدايا كبيرة ونفيسة لوالده. وحينما تولى إدارة الولاية الواسعة التي عُهدت إليه، خاف منه المسيحيون خوفاً شديداً،إذ كانوا يعلمون غيرته العارمة على الديانة المجوسية، وأخذوا يرفعون الصلوات لأجله في الكنيسة كلها،عسى الله أن يخفف من شدة تغضّبه فلا يضطهد الشعب المسيحي الذي كان آنذاك عرضة للاضطهاد الشديد في مملكة شابور العاتي.ولما وصل قرداغ إلى داره في أربيل مدينة الآثوريين، أقام عيداً كبيراً للآلهة وأكرم المجوس كثيراً، ومنح معابد النار هدايا نفيسة.وبعد أيام قليلة شرع ببناء حصن وقصر على تل يُدعى "ملقي". وأنجز البناء في سنتين، فأقام حصناً منيعاً وقصراً رائعاً.وشيد في لحف التل معبداً للنار، وعيّن مجوساً لخدمة المعبد والنار. وبينما كان يبني الحصن،رأى ذات ليلة في الحلم أن فارساً مدججاً بالسلاح وراكباً حصاناً قد وقف فوقه. ثم لكزه بطرف حربته وقال له: "يا قرداغ."فأجابه: "هاأنذا." فقال له: "اعلم يقيناً أنك ستموت أمام هذا الحصن شهيداً في سبيل المسيح." فقال له قرداغ:
"من أنت حتى تفئلني بهذا؟" فقال له الطوباوي: "أنا سركيس خادم المسيح، ولست أفئك كما تظن، بل سبقت وأنبأتك بالمستقبل كما كشفه لي المسيح سيدي."ولما استيقظ قرداغ من نومه، تولاه خوف شديد، وقص الحلم على أمه وحدها. فقالت له أمه:"حذارِ يا ابني من أن تسبّب المتاعب للمسيحيين، فإني أعلم حقاً أنهم يسجدون للإله الأوحد الحقيقي.وإلههم هو الذي أراك الحلم." إلا أن قرداغ لم يولِ هذا الحلم أهمية كبيرة. وكان ثمة رجل طوباوي اسمه عبديشوع يسكون مغارة في جبل منطقة "بيث بغاش" ،وكان رجلاً فاضلاً ينعم برؤى إلهية. فقال له الرب في الرؤيا: "قم وانحدر وأحضر أمام المرزبان قرداغ،فإني بواسطتك سأصطاده لي، وعليه أن يعاني كثيراً من أجل اسمي." فنهض الطوباوي عبديشوع وأخذ عصاه وحمل الإنجيل في مزودة صغيرةونزل متوجهاً شطر أربيل، كما أمره الرب. وفي أحد الأيام، بينما كان قرداغ خارجاً ليلعب بالكرة في الميدان،التقاه عبديشوع وقطع طريقه واجتاز أمامه، فغضب قرداغ إذ رآه مجتازاً أمامه، فقال للذين معه: "إن هذا الرجل لشؤم."ثم أوعز إلى اثنين من جنوده في لطم القديس عبديشوع على وجهه وفي الاحتفاظ به ريثما ينظر في أمره.
وعاد قرداغ إلى بيته، ثم ركب حصانه ثانية وذهب إلى الميدان، فاضطرم القديس عبديشوع بغيرة إلهية ورفع يده ورسم علامة الصليب وقال:"أيها الرب الإله القدير، أظهر له مجدك واكشف له عن قوتك ليعرف أنك أنت الإله الحق ولا آخر سواك، كما أظهرت لي في الرؤيا."أما قرداغ وأصحابه، فحينماوصلوا الميدان وهموا بملاحقة الكرة على صهوة جيادهم، إذا بالكرة تلتصق بالأرض،ولم يفلحوا في تحريكها من مكانها. فأمر قرداغ أحد جنوده بأن ينزل ويأخذ الكرة بيده ويقذف بها بعيداً. فتناولها من الأرض وقذفها بقوة،ولكنها سقطت عند قدميه. وحاول جميع جنوده قذفها ولكن دون جدوى. فتعجب الجميع وقالوا: "حقاً أن ذاك الرجل الذي التقيناه لساحر،وهو الذي سحر كرتنا ونغّص فرحنا." فأجاب واحد منهم وقال: "بينما كنا نتهيأ لامتطاء جيادنا،رأيت ذلك الرجل يرفع يده اليمنى ويرسم علامة تشبه صليب المسيحيين، وكانت شفتاه تتحركان وكأنه يتمتم شيئاً".فعاد المرزبان إلى داره منذهلاً، وأمر بإحضار القديس عبديشوع وسأله بعنف وقال له: "من أين أنت أيها الرجل؟ وما شأنك؟" فأجابه الطوباوي:"لقد سمعت من والدي أنهما كانا من قرية حزة في منطقة الآثوريين. ولكونهم مسيحيين، فقد طردهم الوثنيون من هناك.فذهبا وسكنا في قرية "ثمانون" من أعمال منطقة قردو. أما أنا فليس لي موضع إقامة خاص،لإني سمعت من المسيح ربي الذي جاء وخلصنا بموته أنه لم يكون له موضع يسند إليه رأسه،مع كونه سيد السموات والأرض والملائكة والبشر وهو الذي يدبّر كل شيء ويحفظ الكل بعنايته.أما عملي فهو أن أرفع دوماً الحمد والمجد والشكر إلى الله خالقنا ومدبرنا الذي أبدعنا على صورته ومثاله،وخلصنا بابنه الوحيد الذي اتخذ جسدنا وأولانا معرفة وإدراكاً لكي لا نحسب الخلائق آلهة، ولا نؤدي للخلائق التي هو أبدعها السجود الواجب له وحده،كما تفعلون أنتم أيضا الوثنيون الضالون." فغضب قرداغ وأمر بأن يُضرَب القديس على فمه.وإذ كان عبديشوع يتألم كثيراً، رفع عينيه إلى السماء وصلى إلى الله في قلبه لكي يحقق ما قاله له في الرؤيا. فقال له قرداغ بحدة:"لماذا تدعونا ساجدين للخلائق، أيها الشيخ الجاهل؟" فسكت الطوباوي ولم يحر جواباً. فقال له قرداغ: "لِمَ لا تجاوبني؟ألا تعلم أن موتك وحياتك منوطان بي؟" فقال له عبديشوع: "أظن يا سيدي أن من يضربونه على فمه يعلمونه بذلك أنه لا يحق له الكلام،ولذا لم أرد الجواب على سيادتك. أما قولك أن موتي وحياتي منوطان بك فليس صحيحاً. فإن لك السلطة على قتل الجسد،وهذا لا نعتبره موتاً نحن عبيد المسيح والساجدين للصليب، بل نحسبه حياة حقيقية خالدة. ولكنك لست مسلطاً على نفسي وعلى حياتي في المسيح.
وقد أوصانا الرب وقال لنا في إنجيله: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، فإنهم لا يستطيعون أن يقتلوا النفس،بل خافوا مني، فإني أستطيع أن أبيد النفس والجسد في جهنم" ، ولكن إذا كنت تريد أن أكلمك، فهدئ غضبك وأرح نفسك،وأصغِ إلي بلطف ومر بألا يضربوني من بعد". فأقسم له قرداغ وقال: "تكلّم بما شئت، فلن يضربك أحد." فقال له عبديشوع:"أتسلم بأن من هو أزلي غير مخلوق هو الإله الحق؟".
ق- أجل إني أسلك بذلك.
ع- أتعترف بأن كل مخلوق غير أزلي إنما هو خليق؟
ق- أجل إني أعترف بذلك.
ع- أوَتعلم أنه لا ينبغي السجود للخلائق، وإن كل من يسجد للخلائق يُغيظ الله خالقها؟
ق- أجل أن ما تقوله هو الحق. ولكن قل لي من الذي يسجد للخلائق؟
ع- أنت وجميع رفاقك الوثنيين تسجدون للخلائق.
ق- إن بيّنت لي إني أسجد للخلائق وأغيظ الله. فإني سأذعن لك بفرح وأتبع تعليمك وأقر بفضلك العظيم.
أما إن لم تبرهن لي عن ذلك، فاعلم أنك قد أهنتني إهانة جسيمة.
ع- ألا تسجد للشمس والقمر والنار والماء والهواء والأرض وتدعوهما آلهة وآلهات؟
ق- بلى، إني أسجد لها لكونها أزلية وغير مخلوقة.
ع- ومن أين علمتم أن النيرات أزلية وعير مخلوقة؟
ق- من مدارها الدائم ومن عدم تغيير طبيعتها ومن كونها مرتكزة في العلى.
ع- إن الخصائص التي ذكرتها عن النيرات، إنما قد نالتها من خالقها الذي إليه يعود المجد لا إليها.
أما كونها غير أزلية فهو واضح لكونها عديمة الحياة. وإن قلت إنها حية، فحا هي حياتها؟ أهي الحياة الحيوانية أم الحياة الناطقة؟وإذا كانت لها حياة حيوانات، فلماذا لا تقتات مثل الحيوانات، وإذ كانت ناطقة وعاقلة،فلماذا لا تهدأ وتستريح من مسيرتها في زمان الحر الشديد. فلو كانت الشمس ناطقة، لخففت في الشتاء من شدة البرد ومن لهيب الحر في الصيف،ولوزعت حرارتها باعتدال في جميع الأمكنة، ولتعبت وتألمت من مسيرتها الدائمة.
فإن كل حي منظور ومتحرك من ذاته يتعب أيضاً. وكل ما ليس حياً ولا يتعب فإنما آخر يحركه.فالحجر والسهم والعَجَلة تستقي حركتها من آخر، ولذا فهي لا تتعب لأنها ليست حية. أما الطير والحيوانات فتتحرك من ذاتها، فهي تتعب لأنها حية.فإذا كانت النيرات وعناصر الطبيعة تتحرك من ذاتها فهي حتماً تتعب وتتألم لأنها منظورة.ولكونها لا تتحرك من ذاتها، لأنها صماء لا نفس لها، فهي إذن لا تتعب، بل تتحرك بقوة الآخرين،مثل الحجر والسهم والعجلة. فالنيرات والعناصر تتحرك بقوة الله، والحجر والسهم والعجلة تتحرك بقوتنا".
ق- ولماذا إذن لهذه النيرات حركة دائمة ونور وقوة لا تخضع للتغيير والفساد أكثر من الأمور الأرضية؟
ع- لأنها في العالم كأعضاء رئيسية في الجسم، مثل الدماغ والقلب والكبد. فإذا انتزعت من الجسم شعرة أو ظفر أو سن، فإن تلك خسارة جزئية.
إما إذا انتزع الدماغ أو القلب أو الكبد، فينتج من ذلك فقدان الحياة كلها. هكذا إذ أباد أحد الأجزاء الصغيرة المكونة للعالم، كالحيوانات والزروع، فهي خسارة جزئية.
أما لو ترك الخالق النيرات تبيد، فلكان ذلك فساد للعالم كله. فإن النيرات رباط جسم العالم كله،
وهي بمثابة أعضاء رئيسية فيه، وبمثابة عينيه ودماغه، ومنها تأتي الحرارة إلى الأجسام والنباتات، ونظام الأزمنة وترتيب السنين والشهور والأسابيع والأيام.
إلا أنها لا تمتلك هذه الخواص بذاتها، بل نالتها من قوة خالقها وحكمته، في حين أنها هي ذاتها لا حياة لها ولا شعور..
ولهذا فإن النيرات ليست أزلية، بل مخلوقة وعديمة الحياة والشعور، ومن يسجد لها إنما يغيظ الله خالقها. وكذا الشأن مع العناصر، أي الأرض والماء والنار والهواء.فهي أيضاً مخلوقة وعديمة الحياة والشعور. وكيف ندعو أزلية تلك العناصر التي كل منها يبطل وينقض الآخر.فالماء ينقض الأرض ويغمرها ويجرفها، والأرض تبتلع المياه التي تغور في جوفها، والهواء يأتي على الماء ويحوّله إلى بخار،والماء يطفئ النار ويخمدها، ويُحبس الهواء في الظرف ويحترق بالنار ويمتزج بالروائح الكريهة. وقصارى القول:إن كلاً من هذه العناصر يبيد الآخر، وجميعها تنحل وتتغير وتحتاج إلى بعضهاالبعض. وكل محتاج إنما هو مخلوق، وكل ما ليس مخلوقاً فهو ليس محتاجاً.وبديهي أن العناصر يحتاج بعضها إلى بعض لفائدة الجميع. فالأرض بحاجة إلى الماء لتنمية الزروع، والماء يحتاج إلى الهواء ليرفعه ويضخه،ولا فاعلية للنار دون الحطب الذي ينمو بقوة الأرض والماء والهواء. فالعناصر كلها إذن محتاجة، ومن ثمة فهي مخلوقة.وإن الأزلي حي ناطق، في حين أن العناصر عديمة الحياة والنطق والشعور. فإن للنباتات والحيوانات حياه:
فالنباتات تنمو وتزهر، والحيوانات تتحرك وتنتقل وتستخدم حواسها. أما العناصر فلا شيء لها من ذلك، بل هي صماء كالحجارة.ومن ثمة فإن من يسجد لها ويحسبها أزلية فهو بذلك يغضب الله. فبحق إذن دعوتكم ساجدين للخلائق وبعيدين عن الله."لما سمع المرزبان هذه الأقوال احتدم غيظاً وعماه الضلال لئلا يذعن لأقوال الطوباوي.فأمر بربط القديس عبديشوع بسلاسل قاسية وبزجّه في غرفة مظلمة، وبعدم إعطائه كل مساء سوى قليل من الخبز دون ماء.
أما القديس فكان فرحاً متهللاً وهو يقول: "الرب عوني، فلا أخاف، فماذا يفعل بي الإنسان؟".وفي اليوم التالي خرج المرزبان إلى الصيد. وما أن رمى سهماً حتى سقط السهم عند قدميه. وحدث الأمر عينه للجنود الذين معه.وأعادوا الكرة مرات عديدة، إلا أن الهواء أبى أن يحمل السهام التي كانوا يرمونها. فاعتراهم خوف شديد، وقال المرزبان لمرافقيهأظن أن الشيخ الذي قيدناه هو ولي الله، فجرت هذه الأعجوبة بصلواته لأننا أسخطناه." فعاد تواً إلى منزله وبات في حزن عميق لا يأكل ولا يشرب،وقد عزم على إطلاق سراح الطوباوي عبديشوع في الغد. وفي منتصف الليل، امتلأ المنزل الذي كان عبديشوع مسجوناً فيه نوراً ساطعاً مجيداً.وتراءى له جميع غفير من الملائكة، وهم يسبحون بصوت عالٍ ويقولون: "صرخ الصدّيقون والرب سمعهم وأنقذهم،والرب قريب من الذين يدعوه بالصدق، وهو يحقق رغبة عباده. إنه يسمع طلبهم ويخلصهم.."وكان الطوباوي عبديشوع يتلو المزامير معهم فرحاً. واستحوذ خوف شديد على جميع المجاورين للمنزل.وإذا بالأبواب جميعها تنفتح، ولمس ملاك الرب سلاسل الطوباوي فسقطت من يديه ورجليه. وأمسكه بيده وأخرجه من سجنه.ولما قاده خارج السجن ترك يده وقال له: "اتبعني" وكان الملاك يتقدمه بثياب متلألئة حتى أوصله إلى مغارته، ثم تركه هناك واختفى.وفي الغد، أمر المرزبان بحل وثاق القديس وبإحضاره أمامه. ولما فتحوا باب سجنه ودخلوا وجدوا السلاسل ملقاة على حدة،ورائحة بخورفاخرة تفوح من البيت. وبحثوا عن الطوباوي، فلم يجدوه. فانذهلوا واعتراهم الخوف.وأسرعوا إلى المرزبان وأخبروه بالأمر. ولما سمع المرزبان ذلك، استحوذ عليه الخوف والحزن، وأخذ يلطم وجهه ويبكي بكاء مراً ويقول:"الويل لي، الويل لي، الويل لي، فإني عذبت رجل الله. حقاً أن إله المسيحيين لعظيم.إنه الإله الحق الذي خلق السماء والأرض وكل ما فيهما، ولا إله آخر سواه".في الحال دخل غرفته ورسم على الجدار الشرقي علامة الصليب، وجثا على الأرض وشرع يصلي أمامه ويقول:"أيها المسيح إله المسيحيين، استجبني ولا ترذلني، وأهّلني لكي أحصى في عداد الساجدين لك وأنال الوسم المقدس.فإني أؤمن وأعترف بأنك أنت الإله الحق، كما يعترف ويعلّم المسيحيون. وإذا كان إنساناً ذاك الذي ظهر لي بشكل إنسان وتكلم معي باسمك،
وأنا بجهلي أسخطه، فأهّلني يا سيدي لكي أراه ثانية وأستغفره عن جهالتي، فأبلغ بوساطته إلى معرفتك والانتماء إليك.
وإذا كان الذي ظهر لي أحد ملائكتك، فليظهر لي ثانية وليعلمني ما يجب علّي فعله." وما أن ختم صلاته بعلامة الصليب، حتى سمع صوتاً لذيذاً عذباً يقول له:"كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له" . فغمرته التعزية والفرح لدى سماعه ذلك الصوت وطابت نفسه وأخذ يمجد لله.
ثم خرج وجلس على سريره وتناول طعاماً واستعاد نشاطه. فأخذ العجب كل مأخذ من المجوسي الذي كان يعزّم عليه عند الطعام، ومن امرأة المرزبانوأهل داره، كيف أن يتناول الطعام دون تعزيم.بيد أن أحداً لم يتجاسر فيسأله، لأنه كان عنيفاً صارماً تجاه أهل داره.وبعد ثلاثة أيام، ظهر له القديس عبديشوع ليلاً فرحاً مبتهجاً وقال له: "يا ابني قرداغ، إن شئت أن تراني، هلم إلى المغارة الفلانية وهناك تجدني."ولما استيقظ من نومه، ابتهج كثيراً وطابت نفسه. وعند الصباح قام مسروراً وغيّر ثيابه متنكراً، وأخذ معه اثنين من عبيده الأمناء، وقد نالا معه نعمة العماد بعد ذلك.وامتطى صهوة جواده وسار شطر منطقة بيث بغاش، قاصداً الجبل الذي كان عبديشوع يسكن فيه، حسبما حدده له في الرؤيا.ولما ابتعد عن قصره مسافة أيام، التقاه الشيطان بزي رجل شيخ وهو غاضب وحزين ويعّض لحيته بأسنانه ويقول لقرداغ:
"إلى أين أنت ذاهب أيها الكذاب التعس؟ لماذا خدعتني وتخلّيت عني وتبعت ذلك الشيخ اللعين تلميذ يسوع الذي صلبه رفاقنا اليهود في أورشليم ومات؟فإني قد أقسمت بأن أثير عليك الملك وعظماء فارس كلهم، وأسفك دمك مثل دم اللصوص والأشرار."ولما سمع أحد عَبدَي قرداغ هذا الكلام، قال لسيده: "أستل سيفي وأقطع رأس هذا الشيخ الكلب الذي تجاسر فأهان سيدنا؟" فقال له سيده:"دعه، فإن السيف لا يعمل فيه. إنما ربنا يسوع المسيح الذي آمنت به هو الذي يفنيه ويقضي عليه لدى مجيئه. فإني هكذا سمعت عنه من المسيحيين."وفهم قرداغ أنه الشيطان، وقد تراءى له بشكل إنسان. فبصق عليه في الحالوقال له:"ليزجرك المسيح ربي الذي بنعمته خلّصني من ظلام الضلال، ودعاني إلى نور معرفته العظيم." ثم رسم إشارة الصليب على ذاته.وما أنسمع الشيطان اسم المسيح، حتى تغير وصار مثل حية سوداء ولت الأدبار واختنقت في شق صخرة هناك.واستأنف قرداغ سيره مبتهجاً وهو يمجد الله. وفي إحدى مراحل سفره، بينما كان نائماً، ظهر له القديس سركيس في الحالم وقال له:"يا أخي قرداغ، لقد ابتدأت حسناً. فجاهد ببسالة لتصبح لي أخاً إلى الأبد. وهاأنذا أكون معك وأساعدك إلى أن تنال إكليل الشهادة."وفي اليوم الآخر عند العصر، وقد أوشك قرداغ أن يبلغ الجبل الذي يسكنه مار عبديشوع، ظهر ملاك الرب لعبديشوع وقال له:"قم اخرج إلى لقاء المرزبان قرداغ واستقبله ببشاشة، لأني قد اخترته، يقول الرب، وهولي، وهو مزمع أن يقاسي آلاماً كثيرة في سبيلي."فقام القديس عبديشوع فرحاً وأخذ عصاه وضم بيسراه كتاب الإنجيل المقدس وسار مرتلاً: "إن حامل الزرع يذهب ذهاباً ويبكي، أما حامل الحزم فيأتي فرحاُ" .ولما لمح قرداغ من بعيد، قال له مبتهجاً: "ما أضعف قيودك، يا سيدي المرزبان! فإنها لا تُحسب شيئاً عندنا نحن الموثقين بالروح القدس والسائرين شطر السماء.ولكن هكذا يستقبل عظماء العالم ورؤساؤه أولئك الغرباء الذين يقصدونهم." فأجاب قرداغ بفرح عظيم وقال له:
وإن كنا قد أسرناك في ضلالنا، فإنك قد حررتنا من قيود الوثنية واجتذبتنا لكي نأتي ونستغفرك.وأنت كالأب الرحوم تلتمس من الرب المغفرة لكل ما ارتكبناه أمامه من الآثام."قال هذا ونزل حالاً من حصانه وانطرح باكياً عند قدمي القديس عبديشوع وأخذ يقول له:"اغفر لي يا سيدي عبد الله، وابتهل إلى المسيح ربي لكي يؤهلني لأنهي شوطي في محبته." فأمسكه الطوباوي بيده وقال له:"قم"، ثم قبّله وقال له: "هلم بسلام يا ابني الذي ولدته في قيودي، فالرب يسوع المسيح ينتظرك، وملائكته القديسون يفرحون بك".حينئذ اقتاد الخادمان حصان سيدهما إلى دير في لحف الجبل، وقد تلقيا أمراً بألا يقولا من هو صاحبه.أما عبديشوع والمرزبان فقد صعدا إلى مغارة القديس. ولما حان وقت الصلاة قام عبديشوع ليؤدي صلاة المساء،
وكان قرداغ واقفاً بجانبه، وقد تولاه الخوف والفرح. وإذا بزمرة بشعة من الشياطين يظهرون في الكهف فوقهما وهم يرقصون ويصفقون ويصحكون قائلين:
"ما أجمل الوزير والمرزبان وقد ترك بيته ومجده وسلطته وعظمته، وهو يبيت صائماً في المغاور لدى أناس ضالين يسكنون الكهوف!"أما الطوباوي عبديشوع، فلم يكف عن صلاته، بل أوعز إلى قرداغ في أن يردّ عليهم جواباً مناسباً. فقال لهم قرداغ:"مع كونكم كذابين ومصدر الكذب، فقد نطقتم الآن بالحق. أجل، ما أجمل للوزير والمرزبان أن يتنعم بقوت روحي فيه حياة حقيقية،مع أناس قديسين انتصروا بجهودهم على مكائدكم الخبيثة، فتركوا الأرض وبادروا إلى السماء.فحينما كنت أتنعم بالموائد الدسمة وبالخمور الفاخرة، حسب رغبتكم الدنسة، كنت محروماً من مائدة الحياة في المسيح، وبعيداً عن الله،
وكنت رفيقاً لكم أنتم أبناء الظلمة والمتمردين والمعذبين للعذاب الدائم. أما اليوم، وقد أهّلني المسيح ربي لنور معرفته،فإني الآن أتنعم بمائدة تعليمه الروحي المقدس. فاذهبوا عني أيها الدنسون إلى الظلمة البرانية."وفي الحال، ولوا هاربين مولولين وصارخين حتى أن الجبل دوى بعجيجهم. ولما انتهى عبديشوع وقرداغ من صلاتهما وجلسا، قال عبديشوع لقرداغ: "يا ابني، إن لنا ههنا قليلاً من الحمص المنقوع وشيئاً من الخل.فلنأكل ولنشرب ماء." فأجابه قرداغ: "سمعاً وطاعة يا أبانا." ولما صليا وبدأا بتناول الطعام، ظهر لهما ملاك الرب وقال لهما:"السلام عليكما"، وقدم لهما رغيفاً من الخبز الفاخر. ثم قال لقرداغ: "حينما جئناك، قيدتنا بالسلاسل، وأعطيتنا خبزاً دون ماء.أما حينما جئت إلينا اليوم، فإننا أحللناك في جبال عالية جميلة، وأتيناك بخبز فاخر، معمياه باردة تجري من قمم الجبال.ولكنك جئت أهلاً، فإن قدومك إلينا قد أبهج الملائكة والبشر." قال هذا ووضع الرغيف أمامهما وانصرف.فجثا الرجلان واستمرا على الصلاة نحو ثلاث ساعات وهما يشكران الله. ثم تناولا ما أرسلته لهما السماء، وواظبا على الصلاة طوال الليل.وكان راهب شيخ اسمه "بيري" يسكن في مغارة تبعد عن مغارة عبديشوع بنحو تسعة أميال ،وكان رجلاً فاضلاً تقياً وقد أمضى في ذلك الجبل ثماني وستين سنة في الزهد والصلاة. فأوحى إليه الرب في الرؤيا وقال له:"قم انطلق إلى مغارة عبديشوع، فتجد هناك المرزبان قرداغ، فشجّعه بحضورك وقوه بأقوالك." فقام الشيخ بفرح عظيم وانطلق.وعند انبلاج الصبح وصل إلى مغارة عبديشوع. فلما رآه هذا، اندهش، إذ لم يكن هذا الراهب الشيخ قد غادر مغارته طوال الثماني والستين سنة.فقال الشيخ لعبديشوع: "لقد حلّ عليك ضيف كريم، فلماذا لم تدعنا معه إلى الوليمة؟ فقال له عبديشوع: "اغفر لنا يا أبانا، فإني لم أرد أن أزعج شيخوختك."فقال له الشيخ: "ولو انك لم تدعني، فإن الرب أرسلني إلى ههنا." فصليا وتصافحا، وقبّل الشيخ قرداغ وقال له:"هلم بسلام يا عيسو رجل البرية الذي انقلب وأصبح يعقوب الوديع وهو الآن في سكنى الصديقين."ثم جلس وخاطبه بكلام الله حتى الساعة التاسعة وباركه وقبّله ثم عاد إلى مغارته.وأمضى قرداغ خمسة أيام عند عبديشوع وهو يلتمس منه ليلاً ونهاراً أن يؤهله لنيل العماد المقدس.وفي عشية اليوم السادس، ظهر مار سركيس في الحلم لعبديشوع وقال له: "لماذا تتأخر في فتح باب الشهادة أمام أخي قرداغ؟"ولما استيقظ عبديشوع من نومه، غشيه خوف شديد، فدعا قرداغ وقال له: "هلم يا بني ننزل إلى الدير الذي فيه الخادمان، لنكمل ما قيل لي في هذه الليلة."وبينما هما نازلان من الجبل، قص عبديشوع على قرداغ ما رآه في الحلم. ولما وصلا إلى الدير، اجتمع الأخوة وهيئوا ما يلزم للعماد.فاقتبل قرداغ مع خادميه المعمودية المقدسة بفرح وابتهاج، ثم اشتركوا في الأسرار المقدسة.
ومكثوا بعد العماد عند عبديشوع سبعة أيام، ثم عاد قرداغ مع رفيقيه إلى بيته والإيمان بالمسيح يغمر قلبه فرحاً.ولما بات في إحدى مراحل عودته، ظهرله الشيطان بزي مجوسي وقد تمزقت ثيابه وهو يبكي ويولول ويقول:"لماذا تركتني يا ابني قرداغ وانضممت إلى أعدائي؟" فأجابه قرداغ بشجاعة وقال:
"إني واثق بقوة المسيح ربي، بأني سأنقذ كثيرين من أنيابك المبيدة وأحملهم على السجود للمسيح ربي." فقال له الشيطان:"إن لك أناساً ضعفاء يسكنون المغاور، أما أنا فلي ملوك فارس كلها وعظمائها.ولأنك خدعتني، فإني سأذهب وأطلع الملوك والولاة على أمرك لينزلوا بك شر ميتة."
أما قرداغ، فرسم على ذاته إشارة الصليب وقال له: "أبادك المسيح ربي الذي في سبيل حبه أما مستعد لاحتمال الآلام والموت بفرح."وفي الحال تغير ذاك المجوسي وأصبح مثل حبشي شيخ وولى هارباً مولولاً.وما أن عاد قرداغ إلى بيته، حتى أحضر إليه راهباً فاضلاً اسمه اسحق ليعلمه المزامير ويقرأ له الإنجيل المقدس.ومنذئذ امتنع عن أكل اللحم، واكتفى بتناول طعام بسيط مرة في النهار، وفتح كنوزه وأخذ يوزع عطايا كثيرة وصدقات سخية على الكنائس والأديرة والأعمار المقدسة،وعلى الفقراء والمحتاجين والأيتام والأرامل. وكانت جموع المرضى تقصد داره كل حين،
ما سبّب حرجاً وانزعاجاً لامرأته وذويه. فدعاهم قرداغ وقال لهم: "أيها الجهال، لماذا تحزنون على الأموال الأرضية التي تُخزَن في السماء؟إن شئتم فاسمعوا ما تقوله بشرى الرب السارة: "لا تكنزوا لكم كنوزاً في الأرض حيث يفسد السوس والآكلة،وحيث السارقون ينقبون ويسرقون، وحيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضاً" … فإذا كنتم تحبونني فحيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً.وإذا لستم معي، فأنتم إذن عليّ. ولا تشفقوا على أموالي، لأني أعطيها للمسيح ربي الذي هو الملك الحق."وقد تغير قرداغ وصار وديعاً وحليماً لذويه ولجميع الناس، وكفَّ عن الحروب والخصومات التي كان يألفها،وامتنع عن الصيد واللعب في الميدان وعن أمور أخرى كثيرة، وعكف على الصوم والصلاة وقراءة الكتب المقدسة.وكان مواظباً على سماع الدعاوى وتحرير المظلومين وإنصافهم في جميع المناطق الخاضعة لحكمه.وكان والداه يسكنان في قرية "برحبتون" حيث كانت لهما أموال كثيرة وممتلكات واسعة ومعبد للنار كانا قد شيداه على نفقتهما.وقد جعله قرداغ بعد مدة ديراً كبيراً دُعي باسمه.. حزن والداه حزناً عميقاً لدى سماعهما أنه صار مسيحياً وأخذ يوزع أمواله على
الكنائس والأديرة والفقراء.
فقال والده لوالدته: "إن المصيبة التي حلت بنا لجسيمة، وسنصبح عاراً عند رفاقنا.وظننا أنه سيكون لنا وارثاً صالحاً وإذا به يصبح هادماً لبيتنا." فقالت والدته: "أرى أن لا نمنعه، بل ندعه يفعل ما يشاء.ولعل ما يقوم به أمر حسن؟ وربما نخطأ إذ نحاول صدّه عن ذلك." فزجرها زوجها وقال لها: "اسكتي أيتها الغبية،فأظن أنك أنت أيضاً مسيحية، ولعلك أنت دفعت بابنك إلى هذه الغباوة." وفي الحال كتب إليه أبوه رسالة جاء فيها:
"ولو أنك قد أبغضت ذاتك واحتقرت حياتك فصرت مسيحياً وجلبت الهوان على عشيرتنا وجعلتنا عاراً بين رفاقناً،
ولكن لا يسمح لك بتوزيع أموال معبد النار وأملاكه على المسيحيين." ولما استلم الطوباوي رسالة والده وقرأها، ضحك كثيراً وقال:
"ما أجهل شيخنا وما أسرعه إلى جهنم!" ورد على رسالته بالجواب التالي: "أيها الشيخ، إنك تسجد للنار، وبالنار أن مزمع أن تتعذب.
أما أنا فأعطي أموالي للمسيحيين، لأني سأنعم معه وإياه أرجو وعليه أتكل. ومعبد النار التي أنت فخور بها سأجعلها قريباً هياكل للمسيح وأقيم فيها مذابح جميلة.وليس لي معك نصيب أو ميراث، لأن المسيح دعاني وقرّبني إليه وجعلني ابناً لأبيه الخفي".
أما امرأة قرداغ فلم تستطع إلى الصبر سبيلاً وهي ترى أموالها تتبدد بالعطايا والصدقات، فعزمت على الكتابة إلى أبيها لتخبره بالأمر.
وكان أبوها شابور نيكوركان ذا شأن كبير ويشغل منصب "شهارخواست".
ولما كتبت الرسالة وعزمت على إرسالها في غداة ذلك اليوم، ظهر لها ليلاً في الحلم شاب جميل المنظر لابساً ثياباً بيضاً وجالساً على كرسي من ذهب على باب حصن الطوباوي،وهو ممسك بقلم من نار ويكتب رسائل على ورق أبيض عريض ويختمها بخاتمه ويرسلها إلى السماء بأيدي شباب رائعي الجمال متوشحين ثياباً بيضاً ويطيرون بأجنحة نورانية إلى السماء.فلما رأت هذا المنظر الرهيب والشباب صاعدين إلى السماء ونازلين منها لإبلاغ الرسائل، دنت منه وسألته قائلة:"من أنت يا سيدي؟ وما عملك؟ ولما أنت جالس ههنا دون أن يحسّ بك المرزبان؟ وما الذي تكتبه؟" فأجابها:
"أنا زعيم قوات الرب الإله خالق السماء والأرض. وقد أرسلني ملك العالمين العظيم لكي أسجل الهبات والصدقات التي يمنحها زوجك، وأرسل بحسابها إلى السماء.إما قولك أن المرزبان لم يحس بي، فإنه قول كاذب. فإن المرزبان يعرفني وهو يدري أني ههنا.
أما أنتِ فلا تعرفينني لأن قلبك متعلق بالأرض." وحينما استيقظت من نومها، اعتراها خوف شديد وبادرت مرتجفة إلى الطوباوي قرداغ وقصّت عليه ما رأته،وأرته كذلك الرسالة التي كتبتها في الأمس لترسلها إلى والدها. فقال لها قرداغ: "حقاً أن الرؤيا التي رأيتها عظيمة ورهيبة وحقيقية، ولكن قلبك غبي.
وقد قال الرب في إنجيله: "إني أتيت لأقسم الرجل على أبيه، والابنة على أمها، والكنة على حماتها، واعداً المرء أهل بيته" .وقد يصل الأمر إلى حد يكون فيه انشقاق وانقسام بين الرجل وامرأته مع كونهما جسداً واحداً. وقد قال الرب في موضع آخر من الإنجيل:"حينما يتجلى في مجده يوم البعث وينال الأبرار النعيم والأشرار العذاب، اثنان سيكونان على سرير واحد،واحد منهما يؤخذ للسماء للملكوت والنعيم، والآخر يُترك في الأرض في جهنم والعذاب" . أما أنا، فلي ثقة بالمسيح بأني سأذهب إليه سريعاً بعد أموالي."ومنذ ذلك اليوم، لم تتجاسر امرأته أن تقول له شيئاً، ولم تُظهر من بعد وجهاً كاسفاً بسبب تبذير الطوباوي أمواله.ومضى على قرداغ سنتان وثلاثة أشهر وهو يسير بمقتضى السيرة الفاضلة اللائقة بالمسيحيين الحقيقيين،فبلغ خبره إلى الشعوب المتواجدة في الجنوب والغرب، وعلموا أنه كفّ عن الحروب والقتال وفضّل حياة الهدوء،فاستعد الروم والعرب والشعوب المجاورة، واجتمعوا مثل رمل سواحل البحر، وشرعوا يتوغلون في المنطقة الخاضعة للطوباوي.أما هو فكان قبل أيام قلائل قد صعد إلى الجبل عند معلمه مار عبديشوع، ومكث عنده شهراً كاملاً، وهما يترددان دوماً إلى الشيخ القديس بيري الناسك.فانتهزها الأعداء فرصة ليعيشوا في منطقته فساداً، فدمروا البلاد وسبوا كثيرين من سكانها من نهر تورمارا إلى مدينة نصيبين الواقعة على الحدود.وكان من بين الذين سبوهم والد ووالدته وامرأته وشقيقه وأخته وجميع أهل بيته.
ونجا من بين جنوده مئتان وخمسة وثلاثون فارساً، وأخذوا يبحثون عنه في الجبل. فوجدوه في مغارة بيري الناسك مع معلمه عبديشوع وقد اجتمع حوله عدد كبير من الكهنة لإكرامه.ولما رآهم قرداغ، بادرهم وقال لهم: :تبدون وكأنكم قد أفلتم من قبضة اللصوص." فأجابه واحد ذو طباع شرسة ومتزمت في وثنيته وقال:"حينما يسكن الوزراء والمرازبة في مغاور اللصوص والمضلّين، كان لا بد لنا من أن يحصل ذلك."
وما أن قال هذا حتى ضربه ملاك الرب. فسقط في موضعه ومات حالاً. ولما رأى رفاقه ما حدث له،خافوا خوفاً شديداً وآمنوا كلهم بالرب يسوع المسيح واقتبلوا العماد في ذلك اليوم عينه. أما الطوباوي قرداغ، فقال للقديسين بيري وعبديشوع:"أبويّ وسيديّ، صليا لأجلي لكي أذهب فأعيد السبي من الغزاة بقوة الرب." فرسما عليه إشارة الصليب وقبّلاه ثم ودعاه بسلام.وحينما وصل إلى قصره المشرف على قلعة ملقي، وشاهد ما حل بالموضع من الدمار والقتل والنهب، حزن حزناً بالغاً.فأرسل على الفور سعاة في أثر الغزاة وكتب إليهم ما يلي: "ظننتم أني أنا قرداغ قد نزعت عني القوة الأولى للقتال والرحب،ولهذا تجرأتم فدخلتم إلى بلادي ودمرتم منطقتي. إلا فاعلموا أني لم أنزع القوة بل قد لبست قوة لا تُقهَر.
فأرسلوا لي النفوس التي سبيتموها وخذوا الأموال واذهبوا بسلام. وخير لكم أن لا ثيروا حرباً عليّ."أما هم فحينما بلغتهم الرسائل، كتبوا إليه أقوالاً مشينة وشتائم وكلمات تعيير. فكتب إليهم ثانية بالمعنى ذاته.ولكنهم كانوا واثقين بأنفسهم وبوصولهم القريب إلى بلدانهم، فقطعوا رأس أخيه وأرسلوا به إليه.
فلما رأى الطوباوي رأس أخيه مبتوراً حزن وثار ثائره، وأمر بضرب البوق،ودخل هو مع جنوده المئتين والأربعة والثلاثين وسبعة من عبيده إلى كنيسة الله، وبسط ذراعيه إلى الرب مبتهلاً وقائلاً:"احكم يا رب حكمي وقاتل الذين يقاتلونني ، امسك السلاح والترس وهلم إلى عوني، انزع وارفعه على مضطهديّ، وقل لنفسي:أنا مخلّصك.." وحينما أنهى صلاته، أخذ قليلاً من تراب المذبح المقدس وذرّ منه على سلاحه وحصانه وعلى جنوده،
وعلّق في عنقه صليباً من ذهب يحتوي على ذخيرة العود المقدس. ورفع يده ومدّ بصره إلى العلى ونذر للرب نذراً وقال:
"أيها الرب القدير الجبار، إذا كنت معي في الطريق الذي أسلكها وأدركت أعدائي بقوتك وانتصرت عليهموأرجعت منهم السبي وعدت بسلام من هذه الحرب التي فُرضتْ عليّ، فإني سأستأصل معابد النار وأبني بيوت الشهداء، وسأهدم بيوت الأصنام وأشيد في مواضعها مذابح مقدسة.
والصبيان المجوس الذين خصصهم آباؤهم بخدمة الشيطان، سأجعلهم عبيداً للمسيح ورهباناً لخدمته،والكنوز والأموال التي خصصها آبائي بمعابد النار، سأوزعها على الكنائس والأديرة." وحينما انتهى من التعبير عن نذره ووعوده،سُمعَ صوتٌ صدر عن البيت المقدس يقول: "تشجّع وتقوّ ولا تخف يا عبدي قرداغ. فإني معك، وسأسلم أعداءك إليك.:ولما سمع ذلك الصوت، انطرح هو وجنوده على وجوههم أمام مذبح الرب وظلوا هكذا مدة ساعتين ثم قاموا بفرح ومجدوا لله.وأمر قرداغ فضربوا بالبوق ثلاث مرات ثم امتطوا جيادهم. حينئذ قال له أحد حملة سلاحه:
"يا سيدي، إننا لا نعرف الطريق التي ينبغي السير فيها لملاحقة أعدائنا." فضحك الطوباوي وقال له:
"إن ذاك الذي بشرنا بالنصر هو الذي يدلنا على الطريق". ولما مشوا مسافة ميلين، أبصروا قطعاً من حرير امرأته ملقاة على الطريق.
لفقد تصرفت هذه المرأة بحكمة مدهشة، إذ نثرت قطعاً من حرير ثيابها على الطريق في كل فرسخ وفرسخين،
لتكون علامات تهدي زوجها لملاحقة الأعداء، فإنها كانت واثقة ببسالته وشجاعته ورحمته وتعلم أنه لا بد له من مطاردة السباة.
ولما رأى الطوباوي تلك الرقع، فرح ومجد لله. وساروا على هدى تلك الرقع حتى وصلوا إلى منطقة قردو.
ولما بلغ نظره، رأى فصائل الأعداء حالّة على نهر الخابور وهم يأكلون ويشربون ويغنّون آمنين،
وقد أخذتهم نشوة الانتصار في السبي والغنائم الكبيرة التي غنموها. إذ ذاك نزل الطوباوي من حصانه
هو وجنوده وجثوا على الأرض وأخذوا يصلون ويبتهلون إلى الله أن يوليهم النصر. وبعد الصلاة،
أمر الطوباوي بأن يضربوا بالبوق ثلاث مرات وصرخوا صرخة مرعبة دوت لها تلك الهضبات، ثم انقضوا على الأعداء.
وفي تلك اللحظة ظهر اله القديس عبديشوع معلمه رافعاً علامة الصليب بيده وجارياً أمامه وهو يقول له:
"يا بني، هذه هي علامة انتصارك العظيم. فتشجّع فإن الرب قد سلم أعداءك إلى يدك."
فانقض الطوباوي على الأعداء انقضاض النسر على فريسته، وسطا عليهم كالبرق الرهيب والجبار الصنديد، وصرخ عليهم ثلاث صرخات مرعبة وقال لهم:
"هذا هو يوم الجزاء لجسارتكم، أيها الكلاب الدنسة." وما أن دارت المعركة حتى هرع السبايا كلهم إلى لقاء قرداغ واحتموا به وصاروا من ورائه.
وأخذ يكيل الضربات لأعدائه حتى تشتتوا من أمامه وصار يحصدهم كما تُحصَد سنابل الحقل،
وسقطت جثثهم في نهر الخابور مثل الجراد، ولم ينجُ منهم سوى القلائل ممن لاذوا بالفرار إلى الجبال المجاورة.
فلاحقهم إلى لحف الجبل الذي فوقه استقر فلك نوح. ثم عاد قرداغ ظافراً فرحاً وهو يرتل:
"هؤلاء بالعجلات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فقوتنا باسم الرب إلهنا. وهم ركعوا وسقطوا، ونحن وقنا وتهيأنا، لأن الرب إلهنا خلصنا.."
ثم دخل معسكرات الأعداء فنهبها وارجع السبي كله. وفي طريق العودة، أمر عند المبيت بأن يُرب بالبوق واجتمعت العساكر كلها واستعرضهم فوجدهم سالمين جميعاً.
وما أن وصل إلى داره، حتى أمر باستئصال معابد النار التي بناها آباؤه، وأقام عوضها هياكل مقدسة لله العلي.
وهدم معابد الأصنام التي كان المجوس فيها يكرمون النار، وشيّد عوضها مذابح مقدسة للمسيح. وأنجز الرب كل ما كان قد نذره.
فلما رأى المجوس ما جرى، كتبوا سراً إلى المجوسي الأكبر الذي يُدعى موبدان موبيد. فدخل هذا على الملك شابور وقال له:
"يا سيدي الملك، عشت إلى الأبد، إن قرداغ الذي أكرمتوه إكراماً عظيماً حتى جعلتموه وزيراً لآثور ومرزباناً على المنطقة الغربية،
قد انضم إلى الديانة المسيحية، فاستأصل معابد النار وبنى الكنائس والأديرة، وهو يضايق المجوس ويضطرهم إلى الانضمام إلى الديانة المسيحية. إنه قد احتقر السجود للآلهة وازدرى تعليم المجوسية وحسب مملكتكم أرملة لا زوج لها."
ولما سمع الملك هذا الكلام، زجره بعنف وقال له: "كيف سمعت هذا ولم تسمع بالانتصار العظيم الذي حققه قرداغ،
إذ دمّر الألوف من الروم والعرب بمائتين وأربعة وثلاثين رجلاً؟" ولما سمع المجوسي هذا الكلام من الملك، اضطرب وغشيه خوف وأخلد الصمت، ثم خرج حزيناً من عند الملك.
وذهب فجمع عظماء المملكة وحرضهم على الوشاية بقرداغ أمام الملك. فاتفقوا كلهم وأرسلوا يقولون للملك:
"يا مولانا الملك، إذا طاب لكم أن تُرذل الوثنية وتبطل وأن نصبح جميعنا مسيحيين، فأوعز إلى عبيدك في ما يترتب علينا فعله.
وإلا فلماذا تتغافلون عن قرداغ الجسور الذي يهين الآلهة ويهدم معابد النار ويبني هياكل للدين المسيحي؟".
ولما سمع الملك هذا الكلام حزن جداً، إذ يكن يكنّ لقرداغ مودّة عميقة. ونزولاً عند رغبة العظماء، اضطر إلى استدعاء قرداغ.
فأمر بكتابة رسالة إليه جاء فيها: "لقد سمعنا بالانتاثر الباهر الذي أحرزته على الروم والعرب والشعوب الأخرى الذين تجاسروا على الدخول إلى أرضنا.
فطاب لنا أن نشاهدك لنكافئك على انتصارك العظيم. ولدى وصول رسالتنا إليك، هلّم عجلاً إلينا دون إبطاء."
ذلك لأن الملك خاف من اطلاعه على الأمر جلياً، لئلا يتمرد ويسبب الاضطراب في المملكة.
ولما استلم الطوباوي رسالة الملك وقرأها، ابتسم وقال بلطف لحاملها: "إن الرسالة لا تحمل إليّ ما في قلب الملك.
ولكنه قال الحق أن عليّ أن أنال منه مواهب عظيمة وباقية، وأنا مستعد للذهاب إليه بفرح عظيم.
وذهب حالاً إلى الكنيسة وفتح الرسالة أمام الرب وصلى قائلاً: "أيها المسيح ابن الله، الذي افتدى كنيسته بدمه ونقض الخطيئة،
وأهّلني أنا الخاطئ لأكون من المنتسبين إليه، أعطِني القوة لكي أجابه الجهاد الذي ينتظرني، وهبني أن أخوضه بانتصار وأن أموت لأجلك وفمي يلهج بشكرك وبتمجيد اسمك."
ثم رسم على نفسه إشارة الصليب وانطلق شطر العاصمة. ولما وصل البلاط، أرسل الملك يقول له سراً:
"إن المجوس وعظماء المملكة حانقون عليك ويريدون قتلك، لأنهم سمعوا أنك قد نبذت الديانة المجوسية وسجدت للآلهة وصرت مسيحياً.
فيحنما تمثل أمامي، لا تقل أنك مسيحي، لكي يخجل مقرّفوك، فتنال منا إكراماً عظيماً.
ولدى عودتك إلى منطقتك، اعمل كما تشاء". وفي صباح اليوم التالي. أُمِر الطوباوي بالمثول أمام الملك.
ولدى دخوله، كان جميع المجوس وعظماء المملكة قد اجتمعوا هناك وأخذوا يتهددونه ويحرقون الأرمّ عيه.
أما الطوباوي، فنظر إليهم بوداعة وأخذوا يتلو المزامير في قلبه ويقول: "أحاط بي جميع الشعوب وباسم الرب قهرتهم.
أحدقوا بي واكتفوني وباسم الرب قهرتهم. أحاطوني كالنحل، ثم خمدوا كنار الشوك، وباسم الرب قهرتهم.."
ولما مثل أمام الملك، صاح الملك وقال له: "أتيت أهلاً وسهلاً، أيها الجندي الظافر، يا زينة مملكتنا.
لقد سمعنا بانتصاراتك وامتدحنا بأسك، ونحن مستعدون أن نكافئك مكافأة عظيمة. ولكننا سمعنا أيضاً ما هو أصعب من ذلك،
فإذا كان الأمر هكذا "وحاشا ذلك" فإنك تستحق الموت الزؤام. فيقال أنك نبذت الديانة المجوسية العظيمة واحتقرت الآلهة وصرت مسيحياً."
وحين كان الملك يقول هذا الكلام، كان يغمز له بعينيه أن ينكر ذلك ويقول أنه ليس مسيحياً.
أما الطوباوي قرداغ، فاستنجد بالله سراً ودعاه إلى معونته وردد في قلبه ما قاله داود:
"إني أنطق بالصدق أمام الملوك ولا أخجل"، ثم فتح فمه بشجاعة وقال للملك: "حقاً أيها الملك إني مسيحي،
وإني اعترفت وأعترف سراً وعلناً بكوني مسيحياً. وإني بقوة المسيح قد انتصرت على الأعداء
ودمرت معسكرات الغزاة الذين تجرأوا على البلدان التي عهدتُم بها إلى إدارتي". فحزن الملك حزناً عميقاً لدى سماعه هذا الكلام،
وتظاهر بالغضب مراعاة لعظماء المملكة، وقال للقديس: "لأنك جحدت أمامنا الآلهة التي تدير السماء والأرض، واعترفت بيسوع الذي صلبه اليهود، فنحن أيضاً نجحد محبتك ونسلمك إلى أشنع موت."
فأمر الملك بأن تُربط يداه ورجلاه ويُرسل إلى بلاده لتجري محاكمته هناك. وفعل الملك هذا ظاناً أنه إذا كُبّل بالسلاسل زماناً طويلاً فلعله يندم وينبذ المسيحية فيحيا.
أما رئيس المجوس فكان يطلب أن يسلم إليه ليدينه حسب جسامة ذنبه. ولكن الملك لم يلبّ طلبه، إذ كان يرمي إلى إنقاذ القديس،
فأرسله إلى بلاده مصحوباً بمائة فارس وخمسين راجلاً وعشرين من الأشراف، لكي يُحاكم هناك.
وكتب رسالة إلى كوشتزاد ودينكوشنسف حاكمي تلك البلدان جاء فيها: "إن قرداغ الذي أكرمناه إكراماً كبيراً كما تعلمان،
وأقمناه وزيراً ومرزباناً على تلك البلدان، قد جحد الآلهة واحتقر مملكتنا وازدرى ديانتنا، واعترف بيسوع المصلوب وصار مسيحياً.
فهوذا قد أرسلناه إليكم مخفوراً مع حراس أمناء، وقد أمرنا بإمهاله سبعة أشهر للتفكير والعودة عن رأيه.
فإذا لا يبتعد في هذا الزمان المحدد عن الديانة المسيحية ويستأصل ويعود إلى ديانة المجوس ويسجد للآلهة الشمس والقمر والنار،
فقد أمرنا برجمه بالحجارة على باب داره، ونحن براء من دمه". ولما وصلت رسالة الملك إلى الحاكمين المذكورين بشأن قرداغ وقرأاها،
قاما عاجلاً وأتيا به إلى "بورزميهر" الذي كان قائداً في الحدود تمتد سلطته من نصيبين إلى المنطقة الغربية.
وما أن سمع بورزميهر بقدوم قرداغ حتى هرع لاستقباله مع وجهاء المجوس الموجودين في المدينة،
وأدخلوه إلى المدينة بحفاوة وشرعوا يناشدونه بالعودة إلى الوثنية ليمارس سلطته حسب أمر الملك.
أما هو فقال لهم: "إنني مسيحي ولا أسجد للشمس والقمر مثلكم." وإذ لم يذعن لهم، انطلقوا به إلى الحاكم "شهرخواست"
الذي كان الملك قد خوّله محاكمة كل الذين ينبذون الديانة المجوسية. ومال النهار إلى الغروب حينما بلغوا إزاء دير مار يهوب.
وكان الوثنيون كثيرين على ضفاف النهر القريب من دير مار يهوب وفي القرى المجاورة.
وكان هناك مقر شهرخواست، وهو شديد التعصب للوثنية، وقد عذّب المسيحيين كثيراً بغية إرجاعهم إلى الوثنية.
فخرج هذا إلى لقاء قرداغ. ولما رآه قال له: "إني لا أسجد لك لأنك تركت المجوسية وصرت مسيحياً.
ولكن اسمعني واسجد للشمس والقمر وعد إلى ديانة المجوس، وإلا فسأذيقك الأمّرين." فقال له قرداغ: "زجرك المسيح الذي اعترفتُ به، أيها الكلب النجس."
فاحتدم الحاكم غيظاً لدى سماعه هذا الكلام وأمر بمضاعفة قيوده، وأحضروا أمامه مختلف التعذيب ووضعوا سلسلة حديدية في عنقه ونكّلوا به أي تنكيل.
وفي تلك الليلة، ظهر له القديس عبديشوع ومعلمه بيري الناسك والطوباوي مار سركيس الشهيد وقالوا له: "تشجّع ولا تخف يا قرداغ."
فقام وصلى معهم. ثم رسموا عليه إشارة الصليب وشجعوه ثانية وانصرفوا. أما هو فاستمر على الصلاة طوال الليل،
وكان مستعداً أن ينال إكليل الشهادة في ذلك المكان نفسه. في الصباح، اجتمع الوثنيون وأخذوا يتوعدونه ويقولون أنه إن لم يسجد للشمس فسيبدونه شر إبادة.
أما هو فقال لهم: "إليكم عني يا أبناء جهنم. فإني إنما أسجد للمسيح الملك الذي هو إله الآلهة ورب الأرباب."
ولما سمع الحاكم ذلك، كان بودّه أن يقتله هناك لولا أمر الملك القاضي بإعطائه مهلة سبعة أشهر. وكان الحكام الذين رافقوه أيضاً غير موافقين على قتله هناك.
فأعادوه إلى بيته لكي يموت هناك حسب أمر الملك. وحينما ول قرداغ قرب حصنه الواقع بجانب قرية ملقي ورفع عينيه ورأى قصره وبيته،
شخص بنظره إلى السماء ورفع فكره إلى الله وصلى قائلاً: "أيها المسيح رجائي، أنت الذي أسلمت نفسك للصليب ويديك ورجليك للمسامير لأجل خلاص البشر،
وحررت آدم وبنيه من قيود الموت، حرّرني أنا أيضاً من هذه القيود وخلّصني من الشعوب الضالة، ليرى مبضيّ ويخزو لأنك أنت ساعدتني وعزَّيتَني."
وفي الحال سقطت القيود من يديه ورجليه، فعاد وسجد نحو المشرق وبسط بيده نحو السماء وشكر الله.
ولما عاين الذين معه ذلك الأمر، لاذ بعضهم بالفرار وتشتت الآخرون واختبئوا بين قصب المستنقع الواقع على مقربة من حصن القديس.
أما هو فصعد إلى قصره ودخل بيته فرحاً مشيداً بمجد الله. وشجع امرأته وأخته وذويه، وأمر بإقامة حراس ورقباء على سور حصنه.
ولما بلغ الخبر مسامع الملك، اضطرب واحتدم غيظاً وزأر كالأسد الهصور.
وكتب على الفور رسالة إلى بورزميهر قائد المنطقة الغربية يأمره فيها بإرسال كتائب الفرسان ليحاصر حصن الطوباوي ويحتله ثم يرجمه أمام باب حصنه.
وإذا عجز الفرسان عن محاصرة الحصن واحتلاله، فليذهب القائد نفسه مع كل جنوده ويحتل الحصن.
فأرسل القائد عشرين كتيبة من الجنود وحاصروا حصن الطوباوي طوال شهر ولكن دون جدوى.
وسقط العديد منهم في القتال، إذ كان قرداغ يطل عليهم كالبرق من السور ويرميهم بوابل سهامه ويجندلهم.
فجاء القائد نفسه مع جيشه كله، ولكنهم لم يحصلوا على نتيجة.. إذ ذاك كتبوا إلى الملك ليخبروه بالأمر ليقترحوا عليه استعمال الحيل للقبض على قرداغ.
فأمر الملك برحيل الجنود عن الحصن وببقاء عشر كتائب منها فقط على بعد ميلين أو ثلاثة من الحصن.
واجتمع وجهاء عشيرة قرداغ، بإيعاز من الملك، لكي يلتمسوا منه أن يساعدهم لئلا يهلك ذووه بسببه.
ولما اجتمعوا حول الحصن، صعد قرداغ وخاطبهم من فوق السور وقال: "لماذا تزعجون أنفسكم أيها الناس، ولماذا أنتم متجمعون؟
فسجدوا له من بعيد وبكوا جميعهم وقالوا له: "أشفق على نفسك وعلينا، ولا تقاوم الملك فتخلف سمعة سيئة لعشيرتنا الشهيرة.
بل مُر بفتح باب الحصن واخرج إلينا وأطِع أمر الملك واسجد مرة واحدة فقط للنار والشمس، وأنقذ حياتك وأنقذنا، بعدئذ افعل ما شئت.."
أما الطوباوي فأجابهم: "ليتكم تشفقون على أنفسكم كما أشفق عليكم أنا. فلأني حقاً أشفقت على نفسي أنقذتها من الضلال الذي ما زلتم فيه،
وقرّبتها إلى المسيح نور العالم. وأنا مستعد لاحتمال ألف ميتة لأجل اسمه القدوس. وإذ تسمعوني،
فإنكم تشتركون معي لكي نقدّم للمسيح جوقة من الشهداء فنرتفع إلى السماء وننعم معه بالحياة الخالدة. أما قولكم لا تقاوم أم الملك فإنكم تكلمتم كلام العجائز.
فما الأصعب، أن أقاوم إنساناً مسكيناً يوجد اليوم وغداً لن يكون، أم أن أقاوم ملك الملوك السماوي الذي لا يزول ملكه ولا يتغير لاهوته؟
فطالما كنت في الوثنية مثلكم دون أن أعرف المسيح رجائي الحقيقي، خضعت للملك الوثني الأثيم وخضت المعارك في سبيله بكل بسالة.
أما الآن وقد عرفت أن المسيح هو الملك السماوي والرجاء الحقيقي، فإني لا أخضع للملوك الضالين والمائتين ولا أخاف من تهديداتهم."
فلما سمعوه يهين الملك ويدعوه أثيماً وضالاً، صرخوا جميعهم وسدوا آذانهم وقال بعضهم لبعض:
"لنبتعد من ههنا ولا نسمع التجديف على ملك الملوك المسجود." فضحك الطوباوي وقال لهم:
"إنكم حقاً لبؤساء، فإنكم تجدفون على الله خالق العالمين ومدبرها، وتؤدون للخلائق الصماء والسجود الواجب له، وتتملقون الإنسان المائت البعيد عن الله".
وبينما كان قرداغ يخاطبهم، أقبل كوشتزاد ودينكوشنسف الحاكمان مع مجوس آخرين ودنوا من حصن الطوباوي وقالوا له:
"إننا لا نسجد لك لأنك أهنت الآلهة وقاومت ملك الملوك وأصبحت مسيحياً، ولكن اسمع ما أمر به ملك الملوك في رسائله بشأنك.
فقد أمر ملك الملوك قائلاً: "اسجد للنار والشمس والقمر، وابنِ من جديد ما هدمته من معابد النار،
واستأصل الكنائس والأديرة التي شيدتها، وجدّد انتمائك إلى المجوسية، فتحي ولن تموت، بل تعود إلى سلطتك."
فنفر الطوباوي وقال لهم: "سدوا أفواهكم أيها النجسون خَدَمَة الشيطان. فحاشا لي أن أتخلى عن الإله الحق الذي خلق السماء والأرض وأسجد للخلائق الصماء.
فإني أحسب أوامر ملككم الوثني تجاديف يوجهها الشياطين بوقاحتهم إلى الله." فلما سمع المجوس هذا الكلام، عادوا إلى أدراجهم مولولين قائلين:
"من ذا الذي يستطيع سماع التجديف على ملك الملوك؟" وانحنى واحد منهم اسمه "سيبرزاد" وأخذ حفنة من تراب الأرض وذرّة قبالة الطوباوي وقال:
"هذا في فم الذي جدّف على الآلهة وعلى ملك الملوك." وإذ ذاك أومأ الطوباوي إلى أحد عبيده لكي يناوله القوس وسهماً واحداً.
فرماه القديس وأصاب المجوسي في فمه واخترقه وخرج من ورائه، فمات للوقت في مكانه.
فضحك قرداغ وقال له: "خذها مكافأة لك على محبتك لآلهتك وملكك." فلاذ المجوس الآخرون بالفرار مذعورين، وانطلق وجهاء عشيرته خائبين حزانى.
فنادى الطوباوي أحدهم اسمه أنوش، وكان رجلاً شهيراً بالمعرفة والاستقامة، وقال له:
"هل تظن يا أنوش إني أتحصن ههنا خوفاً من الموت في سبيل المسيح؟ كلا ثم كلا. فالموت في سبيل المسيح ألذ إليّ من الحياة الزمنية.
ولكني لن أسلم نفسي بين أيدي أناس ضالين إلى أن يوعز إليّ المسيح بذلك أو يقال لي في رؤيا الليل إن قد حان وقت الموت في سبيل المسيح،
وإني واثق بقوة المسيح ربي إنه ليس ثمة من يستطيع إلحاق الأذى بي. وحينما يريد المسيح أن أموت لأجله، فإني سأخرج فرحاً وأسلم نفسي للقتل".
ولما علم الملك بهذه الأحداث، وجه رسائل إلى "نكوركان" حمي الطوباوي، يأمره فيها بان يذهب ويقنع قرداغ بفتح باب حصنه،
وإن لم يفعل ذلك، فإن الحكم الموت القاسي سيُنفذ بنكوركان نفسه. فجاء هذا الرجل وحلّ بعيداً عن حصن الطوباوي على مرمى سهمين،
وأرسل يقول الطوباوي أن يصعد إلى السور ويكلّمه. فصعد قرداغ وجلس إزاءه وقال له:
"اقترب إلى ههنا، أيها الشيخ، ولا تخفْ." ولما دنا، قال له قرداغ: "لماذا تزعج نفسك يا نكوركان؟ ولِمَ أتيت إلى ههنا؟ فبكى الرجل بكاءً مراً وقال له:
"إني معذب بالمصائب التي داهمتني، إذ فقدتُ ختناً لا مثيل له بين الرجال، وهوذا الموت يهددني إن لم تفتح باب الحصن وتساعدني."
فأجابه الطوباوي: "إنما قد فقدت عقلك بضلال الشياطين لهذا تحسبني مفقوداً. فلو لم تفقد عقلك، لأدركت أني لم أُفقَد، بل وُجدتُ للمسيح واجد المفقودين.
فالمفقود هو أنت إذ تركت الله الخالق وتسجد للخلائق الصماء التي خُلقت لإكرامك وراحتك."
فقال له نكوركان: "احسبني كما تشاء، واحتقرني كما ترغب، إنما أنقذني من الموت. فإن ملك الملوك غاضب عليّ بسببك.
فاصنع أحد الأمرين: أما أن تطيع الملك فتترك المسيحية وتعود إلى المجوسية وتسجد للنار والشمس والقمر،
وتبني معابد النار التي هدمتها، وأما أن تخرج وتموت كما يموت المسيحيون الجهلة، فلا نموت نحن بسببك."
فأجابه قرداغ: "إني لا أطيع الملك الوثني الأثيم، ولا أتخلى عن الله الذي خلقني وخلّصني ويهتم بي وهو مزمع أن يسعدني في ملكوته،
ولا أسجد للخلائق مثلكم، ولا أمتنع عن الموت في سبيل المسيح، بل أموت فرحاً، وأنتم لن تموتوا بسببي.
ويا ليتكم كنتم مدركين لتموتوا عوض حياتكم. وإنك بجنونك قد دعوت المسيحيين الذين يموتون في سبيل ربهم جهلة.
ولكن اجلس الآن وابعد عنك القلق والحزن، ريثما أذهب وأسأل المسيح ليطلعني هل قد حان الأوان لأموت في سبيله.
فإذا حسن لإرادته وحان الزمان لأنال إكليل الشهادة في نهاية جهادي لأجله، فإني سأخرج بفرح وأسلم نفسي إلى القتلة.
فانتشر الخبر في جميع البلدان الخاضعة لسلطة الطوباوي أن قرداغ يتهيأ للموت في سبيل المسيح.
فأقبلت جموع غفيرة من كل البلدان من مسيحيين ويهود ووثنيين، وحلوا حول حصن الطوباوي، وهم ينتظرون مشاهدة يوم استشهاد البطل الصنديد.
وأقبل أبوه وذووه أيضاً. وظل الجميع منتظرين هناك مدة وعشرين يوماً.
أما الطوباوي فكان عاكفاً عن الصلاة والتضرع، مبتلاً إلى المسيح أن يقويه ويشجعه لكي يختم حياته بإكليل الشهادة.
وكان والده يتضرع إليه باكياً ويسأله أن يصعد إلى السور ليراه ويكلّمه ويسمع منه ما يريد أن يقوله له.
ولكنه رفض ذلك، بل أرسل واحداً من أتباعه ليقول له: "إن المسيح ربنا ينادي في إنجيله ويقول:
"كل من لا يترك أباه وأمه وأخوته وامرأته وبنيه ويتبعني، فلا يستحقني. ولهذا فأنا لا أريد أن أرى وجهك.
لأن أفكارك وأقوالك مضادة للطريق التي أنا سالك فيه." وبعد ذلك أرسل إليه نكوركان يقول:
"أرسل إليّ شوشان ابنتي لأني مشتاق إلى رؤيتها." فقال الطوباوي لزوجته: "اخرجي إلى أبيك وانظري ما يريد منك.
ولكني أعرف أنك ستحصلين منه على فقدان حياتك." وحينما خرجت إلى أبيها قال لها هذا:
"يا ابنتي الحبيبة، أشفقي على شيخوختي ولا تفضلي محبة زوجك على محبة والدك،
ولا تبيعي حياة شيخوختي برجل تمرَّدَ على الآلهة وعلى الملك. فلا مجال ليكون لك والد آخر.
أما زوجك، فإذا مات اليوم، فإنك ستجدين غداً واحداً آخر خيراً منه. فأقنعيه ليفتح الباب ويخرج فننجو من الخطر."
فعادت من ساعتها إلى الطوباوي وقالت له: "إن كنت مسيحياً، فاخرج بشجاعة ومت ببسالة، كما يموت المسيحيون.
فلماذا تنزوي كالضعفاء الجبناء في هذا الحصن، في حين أن كثيرين يموتون بسببك؟" فأجابها قرداغ:
"حقاً من فضلات القلب تتكلم الشفتان، كما قال المخلص، وما أنت ناطقة به إنما هو من مكائد الوثنية الخبيثة ومن ثمار الشر.
ولكن لا تضطربي يا ابنة الهلاك، فإني مستعد لأموت حتى قبل تمليقاتك الماكرة هذه".
بعد ذلك رأى قرداغ رؤيا رهيبة.ففي عشية الجمعة، عكف حسب عادته على الصلاة.
ولما أنهى صلاته في الفجر، التفت فرأى ذاته على تلة صغيرة أمام باب حصنه تحيط به جموع غفيرة وتنثر عليه اللآلئ.
وحينما كنت تلك اللآلئ تتساقط على جسمه، كانت تنبجس من مواضعها قطرات دم سرعان ما تتحول إلى مشاعل وتطير إلى السماء.
وكان رجل يلبس ثياباً بهية وهو مكلل بإكليل من النور وواقفاً فوقه في الفضاء ويقول له:
"يا أخي قرداغ". فأجابه هو: "هاأنذا". فقال له: "إن هذه اللآلئ انهالت عليّ أيضاً في أورشليم من أبناء شعبي وعشيرتي.
والآن سيأتي أبوك ويرميك هو أيضاً بلؤلؤة وسترتفع حالاً إليّ بفرح." فسأله قرداغ وقال له:
"من أنت يا سيدي؟" فأجابه: "أنا الشماس اسطيفانس الذي رُجمت في أورشليم في سبيل بشارة الحياة."
وفي الحال استيقظ الطوباوي من نومه وقد تولاه خوف شديد. فدعا معلمه اسحق الذي كان يعلمه المزامير ويقرأ له الكتب المقدسة، وقصّ عليه رؤياه.
وفكرا منذهلين في هذه الرؤيا، وأدركا أن الزمان قد حان لكي الطوباوي في سبيل المسيح. فقال قرداغ لاسحق:
"أين كُتبتْ استشهاد اسطيفانس القديس؟" فأجابه اسحق: "إنها مكتوبة في سفر أعمال الرسل." فقال له قرداغ:
"هلم بها واقرأها لي." ولما سمع قرداغ خبر استشهاد القديس اسطيفانس، غمره فرح عظيم وتشجع كثيراً واشتاق إلى الموت في سبيل المسيح اشتياق المسافر العطشان إلى الماء البارد في زمان الحر الشديد.
وجثا الطوباوي في الحال وصلى وقبّل كتاب الإنجيل المقدس ورسم إشارة الصليب على ذاته.
ثم فتح باب حصنه وخرج خروج العريس من خدره. ولما عرفت الجموع ذلك، حدث اضطراب في المعسكرات،
وأقبل الجميع مسرعين، المسيحيون واليهود والوثنيون، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، وكانوا يهرعون لمشاهدة الطوباوي حينما ينال إكليل الشهادة.
وأسرع الفرسان وهم مدججون بالسلاح وأخذوا يضطرون الحاضرين ويقولون لهم: "ليتناول كل واحد حجر ليرجم به قرداغ."
واجتمع المجوس مع العظماء وجلسوا يقرأون قرار الحكم الذي أرسله الملك. أما الطوباوي،
فحينما رأى جموع الوثنيين واليهود وهم يحملون حجارة ويهجمون عليه ليرجموه، نظر إلى السماء ورسم إشارة الصليب على نفسه، وصلى بصوت عالٍ وقال:
"أيها الرب يسوع المسيح ابن الله، ساعدني في هذه الساعة، وأهّلني لأختلط بفرح بجموع قديسيك."
وحينما قال هذا جثا على الأرض، وانهالت عليه الحجارة عليه وتكدست فوقه. ولكنه قام ببسالة ونفض عنه الحجارة.
وهكذا فعل مرتين. وبينما كان الفرسان والمجوس يحرضون الجموع على رشق الحجارة بشدة، قال لهم الطوباوي:
"إني لا أموت إلا حينما يرميني أبي بحجرة." وكان أبوه ثملاً بضلال الوثنية وخائفاً من الموت ويحاول تمليق الملك والعظماء،
فأخذ منديله ولّفه على وجهه ورمى ابنه بحجر. وفي الحال فاضت روح قرداغ البطل وانتقلت إلى دار الخلود.
وفي تلك الساعة فاحت رائحة زكية من الموضع الذي فيه رُجم الطوباوي، وسُمع صوت يقول:
"أيها المظفر قرداغ، لقد جاهدت جهاداً حسناً، وأحرزت نصراً بطولياً، فهلمّ بفرح وخذ إكليل النصر".
استشهد القديس مار قدراغ في السنة التاسعة والأربعين لحكم شابور الثاني (358م) في يوم الجمعة (الواقعة في الأسبوع الأخير من أسابيع القيظ).
وفي عشية السبت، اجتمع قوم من المسيحيين واختطفوا جسده من الحراس وواروه الثرى بإكرام عظيم.
وكانت الجموع تقصد كل سنة موضع رجمه في ذكرى استشهاده وتقيم له عيداً وتذكاراً مدة ثلاثة أيام.
وعلى مر السنين تطوّر العيد إلى احتفال كبير يدوم ستة أيام، وأخذ الناس يبيعون ويشترون في الموضع لسد احتياجاتهم،
حتى دُعي الموضع "سوق ملقي" نسبة إلى القرية التي يقع فيها حصن مار قرداغ الشهيد.
وبعد ذلك شيدت كنيسة فخمة على اسم مار قرداغ على التل الذي فيه رجم.
وقد بُني مزار لمار قرداغ بالقرب من ألقوش وبجانبه دير كبير على اسمه.
ويقصد المزار كثير من أهالي ألقوش والقرى المجاورة،
ولا سيما في يوم عيده، وتنسب إليه بعض العجائببواسطة جورج العراقي منتديات الكنيسة الشرقية القديمة وقديسيها







إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)